الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع
.بَاب ذِكْرِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ: وَذِكْرِ عَدَدِ شُهُودِهِ أَيْ شُهُودِ كُلِّ قِسْمٍ مِنْهُ لِأَنَّ عَدَدَ الشُّهُودِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ كَمَا سَتَرَاهُ وَأَقْسَامٌ مَشْهُودٌ بِهِ سَبْعَةٌ أَحَدُهَا الزِّنَا وَاللِّوَاطُ فَ (لَا يُقْبَلُ فِي الزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ) عُدُولٍ يَشْهَدُونَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الْآيَةُ فَجَعَلَهُمْ كَاذِبِينَ إنْ لَمْ يَأْتُوا بِالْأَرْبَعَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلُ الثَّلَاثَةُ «وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» وَاللِّوَاطُ مِنْ الزِّنَا (وَكَذَا الْإِقْرَارُ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةٍ (يَشْهَدُونَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَرْبَعًا) لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلزِّنَا فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ كَشُهُودِ الْفِعْلِ.(فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِمَا) أَيْ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ (أَعْجَمِيًّا قُبِلَ فِيهِ تُرْجُمَانَانِ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَتَقَدَّمَ فِي طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ أَنَّ التَّرْجَمَةَ كَالشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ هُنَا مِنْ أَرْبَعَةٍ.(وَمَنْ عُزِّرَ بِوَطْءِ فَرْجٍ مِنْ بَهِيمَةٍ وَأَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ) بَيْن الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ (وَنَحْوِهَا) كَأَمَةٍ لِوَلَدِهِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا (ثَبَتَ) مُوجِبٌ تَعْزِيرُهُ (بِرَجُلَيْنِ) كَظُلْمِ النَّاسِ فَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ مُبَاحًا كَوَطْءِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ إذَا اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِهِ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ بِرَجُلَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ حَدًّا، وَلَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النِّسَاءُ غَالِبًا حَتَّى يُكْتَفَى فِيهِ بِامْرَأَةٍ وَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ.(وَ) الْقِسْمُ الثَّانِي دَعْوَى الْفَقْرِ وَ(لَا يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ عُرِفَ بِالْغِنَى أَنَّهُ فَقِيرٌ) لِيَأْخُذَ مِنْ نَحْوِ زَكَاةٍ (إلَّا بِثَلَاثَةٍ) رِجَالٍ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ، لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ» (وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ أَهْلِ الزَّكَاةِ.الْقِسْمُ الثَّالِثِ بَقِيَّةُ الْحُدُودِ (فَلَا تَثْبُتُ بَقِيَّةُ الْحُدُودِ) كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالشُّرْبِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ (بِأَقَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ) لِقَوْلِ الزُّهْرِيُّ مَضَتْ السُّنَّةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ (وَكَذَا الْقَوَدُ) فَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ فَيُقْبَلُ فِيهِ اثْنَانِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الزِّنَا.(وَيَثْبُتُ الْقَوَدُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً) لِأَنَّ الْقَتْلَ فِيهِ حَقٌّ آدَمِيٌّ أَشْبَهَ الْمَالِ، وَكَذَا الْقَذْفُ وَالشُّرْبُ بِخِلَافِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَتَقَدَّمَ.(وَ) الْقِسْمُ الرَّابِعُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُقْبَلُ فِيمَا لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَلَا مَالٍ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ وَنَسَبٍ وَوَلَاءٍ وَإِيصَاءٍ) فِي غَيْرِ مَالٍ (وَتَوْكِيلٍ فِي غَيْرِ مَالٍ وَتَعْدِيلِ شُهُودٍ وَجُرْحَتِهِمْ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} قَالَهُ فِي الرَّجْعَةِ وَالْبَاقِي قِيَاسًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ أَشْبَهَ الْعُقُوبَاتِ.وَذَكَرَ الْقِسْمَ الْخَامِسَ بِقَوْلِهِ (وَيُقْبَلُ فِي مُوضِحَةٍ وَنَحْوِهَا) كَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ وَدَاءٍ بِعَيْنٍ (وَدَاءِ دَابَّةِ طَبِيبٌ وَاحِدٌ وَبَيْطَارٌ وَاحِدٌ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ مِمَّا يَعْسُرُ إشْهَادُ اثْنَيْنِ عَلَيْهِ فَكَفَى الْوَاحِدُ كَالرَّضَاعِ (فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ) غَيْرُ الْوَاحِدِ (فَاثْنَانِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ.(فَإِنْ اخْتَلَفَا) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِوُجُودِ الدَّاءِ وَالْآخَرُ بِعَدَمِهِ (قُدِّمَ قَوْلٌ مُثْبِتٌ) لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِزِيَادَةٍ لَمْ يُدْرِكْهَا الثَّانِي.الْقِسْمُ السَّادِسُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيُقْبَلُ فِي مَالٍ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ كَالْبَيْعِ وَأَجَلِهِ) أَيْ أَجَلِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْمُثَمَّنِ إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ (وَخِيَارِهِ) أَيْ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ (وَرَهْنٍ وَمَهْرٍ وَتَسْمِيَتِهِ وَرِقٍّ مَجْهُولِ النَّسَبِ وَإِجَارَةٍ وَشَرِكَةٍ وَصُلْحٍ وَهِبَةٍ وَإِيصَاءٍ فِي مَالٍ وَتَوْكِيلٍ فِيهِ وَقَرْضٍ وَجِنَايَةِ الْخَطَأِ وَوَصِيَّةٍ لِمُعَيَّنٍ وَوَقْفٍ عَلَيْهِ وَشُفْعَةٍ وَحَوَالَةٍ وَغَصْبٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ وَضَمَانِهِ، وَفَسْخِ عَقْدٍ مُعَاوَضَةٍ وَدَعْوَى قَتْلِ كَافِرٍ لِأَخْذِ سَلْبِهِ وَدَعْوَى أَسِيرٍ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ لِمَنْعِ رِقٍّ وَعِتْقٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ (رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ فَامْرَأَتَانِ) فَاعِلٌ يُقْبَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِالْأَمْوَالِ.وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى ذَلِكَ (أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ وَحَدِيثُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِثْلُهُ وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ» وَقَضَى بِهِ عَلِيٌّ بِالْعِرَاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَرُوِيَ الْحَدِيثُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُبَيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ.أَيْضًا كَمَا سَبَقَ وَلِأَنَّ الَّذِي هُنَا قَوَّى جَانِبَهُ بِالشَّاهِدِ وَظَهَرَ صِدْقُهُ أَشْبَهَ صَاحِبَ الْيَدِ وَالْمُنْكِرِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ.(وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّاهِدِ عَلَى الْيَمِينِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي حَقِّهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ وَلَا يَقْوَى جَانِبُهُ إلَّا بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ (وَلَا يُشْتَرَطُ فِي يَمِينِهِ) أَيْ الْمُدَّعِي (أَنْ يَقُولَ وَإِنَّ شَاهِدِي صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ يَمِينُ الْمَشْهُودِ لَهُ فِي ثُبُوتِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَلِذَلِكَ لَوْ طَلَبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُجِيبَهُ وَقَدْ ثَبَتَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ فَلَمْ يَجِبْ حَلِفُ الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى صِحَّتِهَا كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرِهِ (وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُبِلَ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ فَلَا فَرْقَ بَيْن كَوْنِ الْمُدَّعِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً) لِأَنَّ مَنْ شُرِعَتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ كَالْمُنْكِرِ.(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ نَاقِصَةٌ وَإِنَّمَا انْجَبَرَتْ بِانْضِمَامِ الرَّجُلِ إلَيْهَا (وَلَا) شَهَادَةُ (أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَأَكْثَرَ مَقَامَ رَجُلَيْنِ) إجْمَاعًا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.(قَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يَجِدَ بِخَطِّهِ دَيْنًا لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا حَقًّا وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَوْ يَجِدْ فِي روزمانج أَبِيهِ بِخَطِّهِ دَيْنًا لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَيَعْرِفُ مِنْ أَبِيهِ الْأَمَانَةَ وَأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا حَقًّا فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ) مَعَ شَاهِدٍ أَقَامَهُ بِهِ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ) أَيْ بِمَا وَجَدَهُ مِنْ خَطِّهِ مِنْ شَهَادَتِهِ أَوْ شَهَادَةِ أَبِيهِ وَتَقَدَّمَ.(وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِحَقِّ أَبِيهِ ثِقَةٌ) أَيْ عَدْلٌ ضَابِطٌ (فَسَكَنَ إلَيْهِ جَازَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ) إذَا أَقَامَ بِهِ شَاهِدًا (وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْ لَهُ الشَّهَادَةُ قَدْ زَوَّرَ عَلَى خَطِّهِ الثَّانِي أَمَّا مَا يَكْتُبُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ حُقُوقٍ بِكُتُبِهِ فَيَنْسَى بَعْضَهُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ (وَالْأَوْلَى الْوَرَعُ عَنْ) الْحَلِفِ عَلَى (ذَلِكَ) احْتِيَاطًا.(فَلَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ هَكَذَا فِي الْمُبْدِعِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ فَقَطْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (فَإِنْ نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ (حُكِمَ عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي جِهَتِهِ وَقَدْ أَسْقَطَهَا بِنُكُولِهِ عَنْهَا وَصَارَتْ فِي جَنْبَةِ غَيْرِهِ فَلَمْ تَعُدْ إلَيْهِ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ عَنْهَا.(وَلَوْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ حَقٌّ بِشَاهِدٍ فَأَقَامُوهُ) بَعْدَ دَعْوَاهُمْ (فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ أَخَذَ نَصِيبَهُ) مِنْ الْحَقِّ لِكَمَالِ النِّصَابِ مِنْ جِهَتِهِ (وَلَا يُشَارِكُهُ) فِيمَا أَخَذَهُ (مَنْ لَمْ يَحْلِفْ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ قَبْلَ حَلِفِهِ.(وَلَا يَحْلِفُ وَارِثٌ نَاكِلٌ إلَّا أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ نُكُولِهِ) فَيَحْلِفُ وَارِثُهُ وَيَأْخُذُ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ.(وَيُقْبَلُ فِي جِنَايَةِ عَمْدٍ مُوجِبُهَا الْمَالُ دُونَ قِصَاصٍ فِي قَوَدٍ كَمَأْمُومَةٍ وَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ لَهُ قَوَدٌ مُوضِحَةٌ فِي ذَلِكَ) لَوْ ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ.(وَ) يُقْبَلُ أَيْضًا (فِي عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ حَالَ) كَالْجَائِفَةِ رَجُلَانِ وَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَ(شَاهِدٌ وَيَمِينٌ) لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمَالَ أَشْبَهَ الْبَيْعَ وَكَذَا جِنَايَةُ أَبٍ عَلَى وَلَدِهِ وَقَتْلُ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ وَحُرٍّ لِعَبْدٍ (فَيَثْبُتُ الْمَالُ) بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلُ وَالْيَمِينُ دُونُ مِنْ قَوَدِ الْمُوضِحَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَجُلَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ زَيْدًا ضَرَبَ أَخَاهُ بِسَهْمٍ عَمْدًا فَقَتَلَهُ وَنَفَذَ) السَّهْمُ (إلَى أَخِيهِ الْآخَرِ فَقَتَلَهُ خَطَأً وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ ثَبَتَ قَالَ الثَّانِي فَقَطْ) لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْمَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ قَتْلَهُ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ.الْقِسْمُ السَّابِعُ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَيُقْبَلُ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَعُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ وَالرَّضَاعِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَنَحْوِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْبَرَصُ فِي الْجَسَدِ تَحْتَ الثِّيَابِ وَالْقَرْنُ وَالرَّتْقُ وَالْعَفَلُ (شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَدْلٍ وَكَذَا جِرَاحَةٌ وَغَيْرُهَا فِي حَمَّامٍ وَعُرْسٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحْضُرُهُ رِجَالٌ) لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا» ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ.وَرَوَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَجْزِي فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنًى ثَبَتَ بِقَوْلِ النِّسَاءِ مُفْرَدَاتٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالرِّوَايَةِ وَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ (وَالْأَحْوَطُ اثْنَتَانِ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (وَإِنْ شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ كَانَ أَوْلَى لِكَمَالِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَكَالرِّوَايَةِ.(وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ) شَهِدَ (رَجُلٌ مَعَ يَمِينٍ فِيمَا يُثْبِتُ الْقَوَدَ) مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ (لَمْ يَثْبُتْ بِهِ قَوَدٌ وَلَا مَالٌ) لِأَنَّ الْعَمْدَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالْمَالُ بَدَلٌ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ بَدَلُهُ، وَإِنْ قُلْنَا مُوجِبُهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالِاخْتِيَارِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا بِذَلِكَ الدِّيَةَ أَوْجَبْنَا مُعَيَّنًا بِدُونِ الِاخْتِيَارِ.(وَإِنْ أَتَى بِذَلِكَ) أَيْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلٍ مَعَ يَمِينٍ (فِي) دَعْوَى (سَرِقَةٍ ثَبَتَ الْمَالُ) الْمَسْرُوقُ لِكَمَالِ بَيِّنَتِهِ (دُونَ الْقَطْعِ) لِأَنَّ السَّرِقَةَ تُوجِبُ الْمَالَ وَالْقَطْعَ، فَإِذَا كَانَ قَصُرَتْ الْبَيِّنَةُ عَنْ أَحَدِهِمَا ثَبَتَ الْآخَرُ.(وَإِنْ أَتَى بِذَلِكَ) أَيْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَيَمِينٍ (رَجُلٌ فِي) دَعْوَى (خُلْعٍ ثَبَتَ لَهُ الْعِوَضُ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمَالَ الَّذِي خَالَعَ بِهِ وَهُوَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ (وَتَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ.(وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ) عَلَى زَوْجِهَا (الْخُلْعَ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ) لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ بِذَلِكَ إلَّا الْفَسْخَ، وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عِوَضٍ ثَبَتَ بِرَجُلَيْنِ وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَيَمِينٍ (وَلَوْ أَتَتْ) مَنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى كَذَا (بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) أَوْ رَجُلٍ وَحَلَفَتْ مَعَهُ يَمِينًا (أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرٍ ثَبَتَ الْمَهْرُ) دُونَ النِّكَاحِ (لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقٌّ لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ فَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ وَلَا الدَّعْوَى بِهِ مِنْهَا إلَّا لِإِثْبَاتِ الْمَهْرِ.(وَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْهُ) مَالًا (أَوْ غَصَبَهُ مَالًا فَحَلَفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَا سَرَقَ مِنْهُ وَلَا غَصَبَهُ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ أَوْ) أَقَامَ بِذَلِكَ (شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ اسْتَحَقَّ) الْمُدَّعِي (الْمَسْرُوقَ وَالْمَغْصُوبَ) لِكَمَالِ بَيِّنَتِهِ (وَلَمْ يَثْبُتْ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ) لِأَنَّهُ لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ لَهُ، لَكِنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ وَالْيَمِينِ فَيَثْبُتُ الْعِتْقُ أَيْضًا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ فِي الْمُنْتَهَى عَلَى الطَّلَاقِ.(وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَمَةً بِيَدِهِ لَهَا وَلَدٌ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَأَنَّ وَلَدَهَا وَلَدُهُ وَشَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَوْ رَجُلٌ وَحَلَفَ مَعَهُ (حُكِمَ لَهُ بِالْأَمَةِ وَأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكَهَا، وَقَدْ أَقَامَ بَيِّنَةً كَافِيَةً فِيهِ وَثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ نَافِذٌ فِي مِلْكِهِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ وَالْيَمِينِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلَّفِ أَنَّهُ حَصَلَ بِقَوْلِ الْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ هُوَ بِمُرَادٍ بَلْ مُرَادُهُ الْحُكْمُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عِلَّةِ ذَلِكَ وَعِلَّتُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُقِرٌّ بِأَنَّ وَطْأَهَا كَانَ فِي مِلْكِهِ (وَلَا يَحْكُمُ لَهُ بِالْوَلَدِ وَلَا بِحُرِّيَّتِهِ) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ (وَيُقِرُّ) الْوَلَدَ (فِي يَدِ الْمُنْكِرِ مَمْلُوكًا لَهُ) لِعَدَمِ مَا يَرْفَعُ يَدَهُ.(وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ فَأَعْتَقَهَا، وَشَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَوْ رَجُلٌ وَحَلَفَ (لَمْ يَثْبُتْ مِلْكٌ وَلَا عِتْقٌ) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ بِمِلْكٍ قَدِيمٍ فَلَمْ يَثْبُتْ وَالْحُرِّيَّةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقِيلَ تَثْبُتُ كَالَّتِي قَبْلَهَا.(وَلَوْ وَجَدَ عَلَى دَابَّةٍ مَكْتُوبٌ حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ) وَجَدَ (عَلَى أُسْكُفَّةِ دَارٍ أَوْ) عَلَى (حَائِطِهَا وَقْفٌ أَوْ مَسْجِدٌ أَوْ مَدْرَسَةٌ حُكِمَ بِهِ) أَيْ بِمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَيْهَا أَمَارَةٌ قَوِيَّةٌ فَعَمِلَ بِهَا لَا سِيَّمَا عِنْد عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ وَأَمَّا إذَا عَارَضَ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَا تُتَّهَمُ وَلَا تَسْتَنِدُ إلَى مُجَرَّدِ الْيَدِ، بَلْ تَذْكُرُ سَبَبَ الْمِلْكِ وَاسْتِمْرَارِهِ فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى هَذِهِ الْأَمَارَاتِ وَأَمَّا إنْ عَارَضَهَا مُجَرَّدُ الْيَدِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَمَارَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ وَالشَّاهِدُ وَالْيَدُ تُرْفَعُ لِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ فِي آخِرِ الطَّرِيقِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ (وَلَوْ وَجَدَ عَلَى كُتُبِ عِلْمٍ فِي خِزَانَةٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ (هَذِهِ طَوِيلَةٌ فَكَذَلِكَ) أَيُّ حُكْمٌ بِوَقْفِهَا عَمَلًا بِتِلْكَ الْقَرِينَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَقَرَّ الْكُتُبِ وَلَا عَرَفَ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهَا الْوَقْفِيَّةَ (تَوَقَّفَ فِيهَا وَعَمِلَ بِالْقَرَائِنِ) فَإِنْ قَوِيَتْ حُكْمًا بِمُوجِبِهَا وَإِنْ ضَعَفَتْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا، وَإِنْ تَوَسَّطَتْ طَلَبَ الِاسْتِظْهَارَ وَسَلَكَ طَرِيقَ الِاحْتِيَاطِ ذَكَرَهُ مُلَخَّصًا فِي الطُّرُقِ الْمَكِّيَّةِ..بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ: وَالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَصَالَةً أَوْ عَلَى شَهَادَةٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يُضْمَرْ.(وَ) بَابُ (أَدَائِهَا) أَيْ كَيْفِيَّةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ مُطْلَقًا قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَقَالَ هِيَ جَائِزَةٌ وَكَانَ قَوْمٌ يُسَمُّونَهَا التَّأْوِيلَ.وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَجْمَعَتْ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى إمْضَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُقْبَلْ لَتَعَطَّلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوُقُوفِ وَمَا يَتَأَخَّرُ إثْبَاتُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ مَاتَتْ شُهُودُهُ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى النَّاسِ وَمَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ فَوَجَبَ قَبُولُهَا كَشَهَادَةِ الْأَصْلِ.(لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا فِي حَقٍّ يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) وَهُوَ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ مِنْ مَالٍ وَقِصَاصٍ وَحَدٍّ وَقَذْفٍ (وَتَرِدُ) الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ (فِيمَا يَرِدُ) كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِهِمَا فَرْعًا لِأَصْلٍ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا شُبْهَةٌ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا احْتِمَالُ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَالْكَذِبِ فِي شُهُودِ الْفَرْعِ مَعَ احْتِمَالِ ذَلِكَ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ وَهَذَا احْتِمَالٌ زَائِدٌ لَا يُوجَدُ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُقْبَلُ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا فِي الْحَدِّ لِأَنَّ سَتْرَ صَاحِبِهِ أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ.(وَلَا يُحْكَمُ بِهَا) أَيْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا بِشُرُوطٍ أَحَدِهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ شَهَادَةُ شُهُودِ الْأَصْلِ بِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْبَةٍ إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ حَبْسٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَفِي مَعْنَاهُ الْجَهْلُ بِمَكَانِهِمْ وَلَوْ فِي الْمِصْرِ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ أَقْوَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ نَفْسَ الْحَقِّ وَهَذِهِ لَا تُثْبِتُهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا أَمْكَن أَنْ يَسْمَعَ شَهَادَةَ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ اُسْتُغْنِيَ عَنْ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَةِ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ، وَكَانَ أَحْوَطَ لِلشَّهَادَةِ فَإِنَّ سَمَاعَهُ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ مَعْلُومٌ وَصِدْقَ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ عَلَيْهِمَا مَظْنُونٌ وَالْعَمَلُ بِالْيَقِينِ مَعَ إمْكَانِهِ أَوْلَى مِنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ (وَالْمَرْأَةُ الْمُخَدَّرَةُ) أَيْ الْمُلَازِمَةُ لِلْخِدْرِ وَهُوَ السِّتْرُ وَيُقَالُ امْرَأَةٌ خَفِرَةٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ شَدِيدَةُ الْحَيَاءِ وَهِيَ ضِدُّ الْبَرْزَةِ (كَالْمَرِيضِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهُ.(وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي: اسْتِرْعَاءُ الْأَصْلِ الْفَرْعَ عَلَى مَا يَذْكُرهُ وَ(لَا يَجُوزُ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ شَاهِدُ الْأَصْلِ أَوْ يَسْتَرْعِيَ) الْأَصْلُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الشَّاهِدِ الْفَرْعِ (وَهُوَ يَسْمَعُ) وَأَصْلُ الِاسْتِرْعَاءِ مِنْ قَوْلِ الْمُحَدِّثِ لِمَنْ يُحَدِّثُهُ: أَرِعْنِي سَمْعَكَ، يُرِيدُ اسْمَعْ مِنِّي (فَيَقُولُ) الْأَصْلُ لِغَيْرِهِ (اشْهَدْ أَنِّي أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا أَوْ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِكَذَا) قَالَ أَحْمَدُ: لَا تَكُونُ شَهَادَةٌ إلَّا أَنْ يُشْهِدْكَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا مَعْنَى النِّيَابَةِ، وَالنِّيَابَةُ بِغَيْرِ إذْنٍ لَا تَجُوزُ (أَوْ يَسْمَعُهُ يَشْهَدُ عِنْد الْحَاكِمِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ) تُزِيلُ الِاحْتِمَالَ أَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَرْعَاهُ (أَوْ) يَسْمَعُهُ (يَشْهَدُ بِحَقٍّ يُعْزِيهِ إلَى سَبَبٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ إجَارَةٍ وَنَحْوِهِ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ) عَلَى شَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ بِنِسْبَتِهِ الْحَقَّ إلَى سَبَبِهِ يَزُولُ الِاحْتِمَالُ أَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَرْعَاهُ.(وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ (أَنْ يُؤَدِّيَهَا الْفَرْعُ بِصِفَةٍ) تَحَمُّلِهِ لَهَا (فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَقَدْ عَرَفْتُهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَعَدَالَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُ لَمْ يَذْكُرْهَا أَشْهَدَنِي أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانَ ابْنِ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ كَذَا، أَوْ) يَقُولُ (أَشْهَدَنِي أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا وَإِنْ سَمِعَهُ) شَاهِدُ الْفَرْع (يُشْهِدُ غَيْرَهُ، قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا بْنَ فُلَانٍ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَذَا وَإِنْ كَانَ سَمِعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا بْنَ فُلَانٍ شَهِدَ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِكَذَا وَإِنْ كَانَ) شَاهِدُ الْحَقِّ يَنْسِبُ (الْحَقَّ إلَى سَبَبِهِ) مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنٍ مَبِيعٍ وَنَحْوِهِ فَسَمِعَهُ شَاهِدُ الْفَرْعِ.(قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا بْنَ فُلَانٍ قَالَ اشْهَدْ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَذَا مِنْ جِهَةِ كَذَا) فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا الْفَرْعَ عَلَى صِفَةِ تَحَمُّلِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِرْعَاءِ، فَقَدْ يَرَى الشَّاهِدُ فِي الِاسْتِرْعَاءِ مَا لَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ فَلَا يَسُوغُ لَهُ الْحُكْمُ.(وَإِنْ أَرَادَ الْحَاكِمُ أَنْ يَكْتُبَ) أَدَاءَ الْفَرْعِ لِشَهَادَتِهِ (كَتَبَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَدَاءِ) أَيْ عَلَى صِفَةِ الْأَدَاءِ لِيَكُونَ مَا كَتَبَهُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ (وَمَا عَدَا هَذِهِ الْمَوَاضِعَ) الْمَذْكُورَةَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ (لَا يَجُوزُ) لِلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ فِيهَا عَلَى الشَّهَادَةِ، فَإِذَا سَمِعَهُ يَقُولُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ (أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ) لِمَنْ سَمِعَهُ (أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَصْلَ (لَمْ يَسْتَرْعِهِ) أَيْ الْفَرْعَ (الشَّهَادَةُ وَلَمْ يَعْزُهَا) الْأَصْلُ (إلَى سَبَبٍ) مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالشَّهَادَةِ الْعِلْمَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَرْعَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَرْعِيهِ إلَّا عَلَى وَاجِبٍ وَبِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَيْهَا (وَلَوْ قَالَ شَاهِدُ الْأَصْلِ أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا فَاشْهَدْ بِهِ أَنْتَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ) لِلْفَرْعِ (أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ) لِعَدَمِ الِاسْتِرْعَاءِ وَإِعْزَائِهَا إلَى سَبَبٍ.(وَلَا تَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ إلَّا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) فَأَكْثَرَ (يَشْهَدَانِ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ شَهِدَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْأَصْلَيْنِ (أَوْ شَهِدَ عَلَى كُلِّ شَاهِدٍ) أَصْلٌ (شَاهِدٌ) فَرْعٌ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِنَفْسِ الْحَقِّ لِأَنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ بَدَلٌ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ فَاكْتُفِيَ بِمِثْلِ عَدَدِهِمْ (وَالنِّسَاءُ تَدْخُلُ فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَثْبُتُ بِشَهَادَتَيْنِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَهَادَتِهِنَّ إثْبَاتُ الْحَقِّ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ شُهُودُ الْأَصْلِ فَيَدْخُلُ النِّسَاءُ فِيهِ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِأَصْلِ الْحَقِّ (فَيَشْهَدُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ) يَشْهَدُ (رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ عَلَى رَجُلَيْنِ) فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ لِأَنَّ لَهُنَّ مَدْخَلًا فِيهِ (فَتَصِحُّ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ عَلَى امْرَأَةٍ) كَالرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ (وَسَأَلَهُ) أَيْ الْإِمَامُ (حَرْبٌ عَنْ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى امْرَأَتَيْنِ فَقَالَ يَجُوزُ) لِأَنَّهُ مِمَّا لِلنِّسَاءِ مَدْخَلٌ فِيهِ.(وَإِنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ شَاهِدُ الْأَصْلِ وَشَاهِدًا فَرْعٍ يَشْهَدَانِ) عَلَى أَصْلٍ آخَرَ جَازَ (أَوْ) شَهِدَ بِالْحَقِّ شَاهِدُ الْأَصْلِ وَفَرْعٌ (وَاحِدٌ عَلَى شَهَادَةِ أَصْلٍ آخَرَ جَازَ) أَيْ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ وَحُكِمَ بِهَا لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْفَرْعَ بَدَلٌ عَنْ شَاهِدِ الْأَصْلِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ.وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ فَرْعٌ عَلَى أَصْلٍ وَتَعَذَّرَ الْأَصْلُ (الْآخَرُ) أَوْ فَرْعُهُ حَلَفَ الْمُدَّعِي (وَاسْتَحَقَّ) فِيمَا يُقْضَى فِيهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِقِيَامِ الْفَرْعِ مَقَامَ الْأَصْلِ.(وَتَصِحُّ شَهَادَةُ فَرْعٍ عَلَى فَرْعٍ بِشَرْطِهِ) مِنْ التَّعَذُّرِ وَالِاسْتِرْعَاءِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ.الشَّرْطِ الرَّابِعِ عَدَمُ تَعَذُّرِ شُهُودِ الْأَصْلِ إلَى صُدُورِ الْحُكْمِ فَ (إذَا شَهِدَ الْفُرُوعُ فَلَمْ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ حَتَّى حَضَرَ الْأُصُولُ) مِنْ السَّفَرِ (أَوْ) حَتَّى (صَحُّوا) مِنْ الْمَرَضِ (أَوْ) حَتَّى (زَالَ خَوْفُهُمْ) مِنْ سُلْطَانٍ وَنَحْوِهِ (وَقَفَ حُكْمُهُ عَلَى سَمَاعِهِ شَهَادَتَهُمْ مِنْهُمْ) لِأَنَّهُ قَدِرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ الْعَمَلِ بِالْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ.(وَإِنْ حَدَثَ فِيهِمْ) أَيْ الْأُصُولِ (مَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ) نَحْوُ رِدَّةٍ أَوْ فِسْقٍ (لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ) بِشَهَادَةِ الْفَرْعِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَنْبَنِي عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ أَشْبَهَ مَا لَوْ فَسَقَ شُهُودُ الْفَرْعِ.(وَ) الشَّرْطُ الْخَامِسُ عَدَالَةُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فَ (لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ بِالْفُرُوعِ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَتُهُمْ وَعَدَالَةُ أُصُولِهِمْ) لِأَنَّهُمَا شَهَادَتَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِمَا بِدُونِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَالْحُكْمُ يَنْبَنِي عَلَى كُلٍّ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ فَاعْتُبِرَتْ لِلشُّرُوطِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا.(وَلَا يَجِبُ عَلَى فَرْعٍ تَعْدِيلُ أَصْلِهِ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْرِفَهُ (وَيَتَوَلَّى الْحَاكِمُ ذَلِكَ) أَيْ الْبَحْثَ عَنْ عَدَالَةِ الْأُصُولِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عِنْدَهُ ابْتِدَاءً (وَإِنْ عَدَّلَهُ) أَيْ الْأَصْلُ (الْفَرْعَ قُبِلَ) إكْفَاءً بِمَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ عَدَالَةِ الْفَرْعِ.(وَلَا تَصِحُّ تَزْكِيَةُ أَصْلٍ لِرَقِيقِهِ) وَلَا أَنْ يَكُونَ فَرْعًا عَنْهُ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى انْحِصَارِ الشَّهَادَةِ فِي أَحَدِهِمَا (وَتَقَدَّمَ).وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا تَعْيِينُ أَصْلٍ كَفَرْعٍ قَالَ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ قَالَ شَافِعِيَّانِ أَشْهَدَنَا صَحَابِيَّانِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعَيِّنَاهُمَا وَدَوَامُ عَدَالَةِ الْجَمِيعِ إلَى صُدُورِ الْحُكْمِ.(وَإِذَا حُكِمَ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْفَرْعِ ثُمَّ رَجَعُوا) عَنْ شَهَادَتِهِمْ (لَزِمَهُمْ الضَّمَانُ) لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِشَهَادَتِهِمْ كَمَا لَوْ أَتْلَفُوهُ بِأَيْدِيهِمْ (مَا لَمْ يَقُولُوا بَانَ) أَيْ ظَهَرَ (لَنَا كَذِبُ الْأُصُولِ أَوْ غَلَطِهِمْ) لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُمْ لَيْسَ بِرُجُوعٍ عَنْ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي شَهَادَةَ الْأُصُولِ.(وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا) لِتَأَكُّدِ الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ.(وَإِنْ رَجَعُوا) أَيْ شُهُودُ الْأَصْلِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْحُكْمِ (فَقَالُوا كَذَبْنَا أَوْ غَلِطْنَا ضَمِنُوا) لِاعْتِرَافِهِمْ بِتَعَمُّدِ الْإِتْلَافِ بِقَوْلِهِمْ كَذَبْنَا أَوْ بِخَطَئِهِمْ بِقَوْلِهِمْ غَلِطْنَا.(وَلَوْ قَالُوا) أَيْ الْأُصُولُ (بَعْدَ الْحُكْمِ مَا أَشْهَدْنَاهُمْ بِشَيْءٍ لَمْ يَضْمَنْ الْفَرِيقَانِ شَيْئًا) مِمَّا فَاتَ بِالْحُكْمِ لِأَنَّ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ لَمْ يَثْبُتْ كَذِبُهُمَا وَشَاهِدَيْ الْأَصْلِ لَمْ يَثْبُتْ رُجُوعُهُمَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ فَإِنْكَارُ أَصْلِ الشَّهَادَةِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهَا.(وَمَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ قَبْلَ الْحُكْمِ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ بِمِائَةٍ ثُمَّ يَقُولُ بَلْ هِيَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ أَوْ) يَقُولُ (بَلْ هِيَ تِسْعُونَ) قَبْلُ وَيُحْكَمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ أَخِيرًا لِأَنَّ شَهَادَتَهُ الْأَخِيرَةَ شَهَادَةٌ مِنْ عَدْلٍ غَيْرِ مُتَّهَمٍ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهَا كَمَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَا يُخَالِفُهَا وَلَا تُعَارِضُهَا الشَّهَادَةُ الْأُولَى لِأَنَّهَا قَدْ بَطَلَتْ بِرُجُوعِهِ عَنْهَا.(أَوْ أَدَّى) الشَّهَادَةَ (بَعْدَ إنْكَارِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَهَادَةٌ ثُمَّ أَدَّاهَا وَقَالَ كُنْتُ أُنْسِيتُهَا قُبِلَ نَصٌّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمَرْأَتَيْنِ {أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} فَقَبِلَهَا بَعْدَ إثْبَاتِ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ فِي حَقِّهَا فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْعَدْلِ فِيمَا نَسِيَهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ (كَقَوْلِهِ لَا أَعْرِفُ الشَّهَادَةَ ثُمَّ يَشْهَدُ) فَتُقْبَلُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ إذَا قُبِلَتْ بَعْدَ إنْكَارِهَا فَهُنَا أَوْلَى.(وَإِنْ كَانَ) زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ (بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ فَلَا يَنْقُضُ بَعْدَ تَمَامِهِ.(وَإِنْ رَجَعَ) عَنْ شَهَادَتِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (لَغَتْ) شَهَادَتَهُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ أَوْجَبَ ظَنًّا فِي شَهَادَتِهِ بِبُطْلَانِهَا فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا (وَلَا حُكِمَ) بِشَهَادَتِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَنْهَا وَلَوْ أَدَّاهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى (وَلَمْ يَضْمَنْ) شَيْئًا لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَتِمَّ.(وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ) الشَّاهِدُ (بِالرُّجُوعِ) عَنْ شَهَادَتِهِ (بَلْ قَالَ لِلْحَاكِمِ تَوَقَّفْ فَتَوَقَّفَ ثُمَّ أَعَادَ الشَّهَادَةَ قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ (وَيُعْتَدُّ بِهَا) أَيْ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ تَوَقَّفْ لَيْسَ رُجُوعًا.
|